حالة الموسيقي فى مصر
تتنوع الألوان الموسيقية وتختلف من بلد إلى آخر حسب ثقافة الشعب وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب على كل بلد أن تعمل بجهد ونشاط لكى تحسن من أدائها الفنى والموسيقي من خلال التطوير المستمر للفنون والمعزوفات. ومصر مثلها مثل باقى الدول فهى فإحتياج إلى أن تخطو إلى الأمام وتواكب الفنون العالمية التى تتسارع فيما بينها لتقدم أفضل مالديها من إنتاج فنى .والواقع أن أهم أسباب تأخر أى بلد فى المجال الفنى هو تمسكها فقط بالثقافة الفنية الخاصة بها، دون الأنفتاح والتعرف على باقى الثقافات الموسيقية فى مختلف بلاد العالم. فالناس أصبحت فى ترابط مستمر وأنفتاح فيما بينها وخصوصا مع أنتشار وسائل التواصل الأجتماعى والفنى والتكنولوجى. مما أدى إلى أنتشار العوامل الفنية من بلد لآخر بسرعة كبيرة وخصوصا فى السنوات الأخيرة.
وفى الواقع إن هذا التمسك باللون الموسيقي الشرقي المتعلق بالربع تون المنتشر فى مصر يؤدى إلى تأخر نمو الفن فى مصر. لأن من طبيعة الأنغام العلمية أن تكون إما مذكرة وإما مؤنثة. وربع التون هذا لا يخضع لتذكير ولا لتأنيث، وإنما هو من حيث التعبير النغمى شئ فى الوسط ما بين النغمات العالمية والتى تكون المسافة بينها إما صوت أو نصف صوت. وبالطبع يوم ماتخرج فيه الموسيقي المصرية عن تمحورها حول الربع تون فحينئذ سينتشر الوعى الموسيقي السليم فى مصر، ويدرك الناس أن هناك ألوان فنية أخرى فى حاجة إلى أكتشافها.
أول مؤتمر للموسيقي العربية عن الربع تون
فى عام ألف وتسعمائة وإثنان وثلاثون دعت مصر إلى عقد مؤتمر موسيقي عربي للوصول إلي نغم موحد وإلى وضع قواعد الموسيقي العربية من جديد. وبعد عدة جلسات فى هذا المؤتمر أعلن المسؤلين أن جميع الأعضاء لم يوفقوا فى حل المشكلة. وكان أساس الخلاف فيما بينهم هو " الربع تون ". لأن له أوضاعا مختلفة فى شتى النغمات، وفى كل البلاد، وأن كل بلد تتمسك بأنغم مختلفة وبربع صوت خاص.وبالنسبة للقواعد العالمية فى الموسيقي وخصوصا تلك النظريات الهارمونية فإن الربع تون لا يتفق مع علم الهارمونى. ذلك لأن الهارمونى يعتمد فى تكوينه على الدرجة الصوتية الكاملة وعلى النصف. والمقاييس العلمية تدلنا أن من طبيعة أى صوت موسيقي نعزفه أو نغنيه يأتى مع مصاحبة أصوات أخرى تتولد من ذاته، وليس من بينها الربع صوت.
وإذا عزفنا على آلة البيانو مثلا أى صوت وليكن صوت " دو "، فتسجل الألآت مع هذا الصوت الذى عزفناه سلسلة من الأصوات الأخرى الملحقة. وهذه الأصوات الأخرى تكون على بعد نغمى معين من نغمة " دو " بحيث تعطى توافق هارمونى مثل نغمة " مى "، وكذلك نغمة " صول ". والمعروف أنه على أساس هذه السلسلة الهارمونية جائت نظرية علم الهارمونى فى الموسيقي، الذى يعتبر من مستلزمات الموسيقي المتحضرة.
ولكى يتضح هذا الموضوع فى ذهن القارئ يجب أن نأخذ فكرة عن الجدل الذى حدث بين الأعضاء فى مؤتمر الموسيقي عن مشكلة السلم الشرقي. ففى أحد الجلسات المنعقدة لمناقشة هذا الموضوع قال مندوب فرنسا البارون " كارادى فو " أن السلم العربى أو الشرقي غير منشر بكثرة فى باقى بلاد العالم. وإذا ذكرنا السلم فإن الماثل فى الأذهان هو مجموهة من المقامات أو ديوان أساسى تتألف منه عدة نغمات. فإذا أعتبرنا السلم بهذا المعنى، أمكننا أن نجد عند المؤلفين الموسيقيين سلما يرجع عهده إلى اليونان الأقدمين، إذ وجد سلم من وضع أليبيوس " Alypius ".
وإذا بدأنا بأى علامة من علاماته أمكننا معرفة المقامات التسعة الأساسية فى موسيقي اليونان. وهذه المقامات هى المقام " الفريجى " و " الليدى " و " الدورى " مع فروع كل منها. ولذلك رأت لجنة السلم فى المؤتمر أن تتجاوز عن أمر بحث السلم، وأن تبحث فى المقامات مباشرة. فأختارت المقامين أو الثلاثة الأكثر شيوعا فى مصر وهى مقامات " الراست " و " البياتى " و " الحجاز " وأجرت تجارب بشأنها.
تعاريف المقامات العربية
وقامت لجنة السلم بضرب صفحا عن النظريات العملية وبحثت فيما هو متبع حين ذاك عند أحسن المغنيين. فإذا أمكن فيما بعد تكملة هذة التجارب فى المقامات الأصلية الأخرى، فسيكون لدينا على حد رأى البارون كارادى فو ثلاثة تعاريف لكل مقام وعلينا أن نختار منها واحدا. فأولا يأتى تعريف القدماء من أصحاب النظريات العربية أبتداء من القرن العاشر إلى القرن الخامس عشر، وهم الذين يقرون مسافات الأبعاد الصوتية فى المقامات بنسبة طول الأوتار.وثانيا يأتى التعريف الناتج عن التجارب التى يمكن إجراؤها على المقامات المتبعة فى وقت حدوث المؤتمر. وهى بدقة كبيرة مثل الدقة التى أتبعتها اللجنة فيما أجرته من تجارب. وثالثا التعريف التقريبى الذى يعطينا مقامات مقسمة إلى أرباع الأصوات. فبأى أعتبار يحدث الأختيار؟. ويبدو أنه يجب ألا يراعى فى ذلك الأعتبار العلمى بل الأعتبار النفسي. وهنا يقول البارون لأعضاء اللجنة، أختارو ماتشاءون، فإذا أخترتم مايتبعه مشاهير المغنين فيجب أن يكون أختياركم مقصورا على بلد واحد.
ذلك لأنه قد لاحظ فيما يتعلق بمقام " الراست " على الأخص أن المغنيين فى مصر وسوريا وتركيا لايتبعون فى عزفه أو غنائه نغمات موحده. ومتى تقرر المقام بهذا الشكل لبلد واحد فإنه يحسن وضع آله ذات سبعة " ديابازونات " وهى أداة تستخدم فى ضبط النغمات، تعطى الأصوات الناتجة من هذه التجارب حتى لا تتغير فى المستقبل، ثم يعمل بمثل ذلك فى كل مقام.
وأما إذا أخترتم التعريف التقريبى ذا أرباع الأصوات وبالحساب الرياضى، فسيسهل أمر الكتابة الموسيقية والتدريس. وتتوفر ميزة تصوير المقامات المهمة التى يتعذر وجودها فى النظامين الآخرين. وهل يمكن للباحث الموسيقي النظرى أو المشتغل بنظريات الموسيقي، شرقيا كان أو غربيا أن يستخلص من سلسلة الأرقام الدالة على تحديد لأصوات الصفة الحقيقة العملية للمجموعة الصوتية فى الموسيقي العربية ؟. وأن يقول مثلا أن هذا سلم طبيعى " Ditonic " أو سلم دياتونيكى أو أى سلم آخر مستعملا أى أصطلاح معروف عند المشتغلين بنظريات الموسيقي.
وهل فى الأستطاعة أن يقال إن المجموعة الصوتية للموسيقي العربية تتضمن الأبعاد ذات الخمس " Quentes " أو ذات الأربع " Quarters " المظبوطة. وأن أبعادها الثلاثية مطابقة لأحد الأبعاد الثلاثية الأخرى المعروفة لدى المشتغلين بتلك النظريات. وأخيرا هل يمكن لهذا العالم الموسيقي أن يحصل من كل ذلك على فكرة حقيقية لقيمة الصوت الكبير والصوت الصغير، أو الأبعاد اللحنية الصغيرة الأخرى.
أهم نتائج المؤتمر
وقد عارض " محمود زكى " أفندى ، مندوب مصر فى المؤتمر ما قاله المندوب التركى الأستاذ " رؤوف يكتا " من وجوب إنشاء مجمع علمى موسيقي فى مصر، يتألف من كبار المشتغلين بالموسيقي العربية. الواقفين على تاريخ السلم العربي المشهود لهم بالكفاية والمقدرة. ذلك لأنه رأى أن معهد الموسيقي الشرقي الموجود فى مصر آنذاك يضم أقدر الأشخاص العاملين بالموسيقي العربية والمشتغلين بها. وفى أستطاعة هذا المعهد أن يقوم بعمل المجمع العلمى الذى طالب مندوب تركيا بتأليفه.ويقول " محمد زكى على بك" أحد مندوبين مصر إن أقتراح مندوب تركيا لا يتعرض لأكثر من كفاية الأعضاء الذين يتألف منهم هذا المجمع العلمى. فإذا توافرت الشروط المطلوبة لعضوية هذا المجمع فى رجال معهد الموسيقي الشرقى، كان كل الأعضاء منهم. على أنه يجب ألا يفوتنا أن المجمع العلمى سيكون مجمعا رسميا يتألف من ذوى المكانه العلمية.
ومن هذا الجدل نخرج بنتائج كثيرة منها: إن السلم العربى أو الشرقي أو المصرى لم يتكون فى البلاد الشرقية. وأن الأنغام المتداوله بما فيها من أرباع الأصوات تنتسب إلى الأغريق. كما نستنتج أن لكل بلد من البلاد التى أشتركت فى ذلك المؤتمر طريقة إرتجالية موسيقية. لذلك من المهم جدا أن يدرك كافة الموسيقيين المعاصرين فى مصر بأن هناك أصول للموسيقي غير شرقية وأنه يجب على كل موسيقي أن يكون عنده أنفتاح على الثقافات الخارجية.
وكلما زاد التواصل بين الموسيقيين المصريين بالعالم الفنى الخارجى كلما زادت القدرات الفنية فى مصر. فنحن نرى أن الكثير من الفنانين المصريين قد أتموا دراستهم الموسيقية خارج البلاد المصرية. مما أنعكس على الفن المصرى بصورة جيدة. حيث أحضر هؤلاء العديد من المناهج الموسيقية من الخارج وقاموا بتطبيقها فى الموسيقي العربية والمصرية مما أثرى الوسط الموسيقي.
أيضا نجد العديد من العازفين فى الفرق الموسيقية الكبرى وخصوصا فى دار الأوبرا المصرية، من الأجانب والجنسيات المختلفة. فهم يساهموا بمجهودهم الفنى وبخبرتهم فى الفنون العربية مما يؤدى إلى تطورها يوما بعد يوم فى الموسيقي الشرقية والعربية نتيجة هذا التواصل العالمى مابين الفنون الخارجية والداخلية.
اشترك معنا بالقناة على اليوتيوب :