شرح مقام البياتى وتأثير الربع تون فى الأنغام الشرقية
مقام البياتى هو واحد من أهم المقامات الشرقية التى تؤثر بشكل كبير فى الأنتاج الغنائى والتلحين، حيث تأثر بهذا المقام الكثير من المؤلفين وراحوا ينتجون أغانى كثيرة عليه. كما غنى على هذا المقام الطربى الأصيل كوكبة من النجوم اللامعين سواء فى الماضى أو الحاضر، وبالطبع مستقبلا. فمثل هذه المقامات لا يمكن أن تندثر بمرور الزمن، إنما هى فى إزدياد مستمر.
وبخصوص مقام البياتى فإنه مثل باقى المقامات يتميز بوجود أبعاد محددة بين أنغامه مما يتيح لنا عزفه من مختلف الدرجات الصوتية النغمية. فإذا أردنا عزفه من نغمة الصول مثلا، ننتقل ببعد نغمى مقداره ثلاثة أرباع تون من نغمة الصول لنصل إلى نغمة " لا نصف بيمول " أو كما يسميها الموسيقيين " سيكا ".
وبعد هذا نتحرك بنفس المقدار وهو ثلاثة أرباع من نغمة لا نصف بيمول حتى نصل إلى نغمة " سي بيمول "، ومنها نتحرك بمقدار تون واحد لنصل إلى نغمة " دو " ثم تون آخر حتى نغمة " ري " وبعدها نصف تون لنصل إلى نغمة " مي بيمول " ثم نتحرك تون كامل لنصل لنغمة فا. وأخيرا نتحرك بمقدار درجة صوتية كاملة أو تون كامل لنصل إلى نفس النغمة التى بدأنا بها وهى نغمة صول ولكن فى الأوكتاف الأعلى.
وبخصوص مقام البياتى فإنه مثل باقى المقامات يتميز بوجود أبعاد محددة بين أنغامه مما يتيح لنا عزفه من مختلف الدرجات الصوتية النغمية. فإذا أردنا عزفه من نغمة الصول مثلا، ننتقل ببعد نغمى مقداره ثلاثة أرباع تون من نغمة الصول لنصل إلى نغمة " لا نصف بيمول " أو كما يسميها الموسيقيين " سيكا ".
وبعد هذا نتحرك بنفس المقدار وهو ثلاثة أرباع من نغمة لا نصف بيمول حتى نصل إلى نغمة " سي بيمول "، ومنها نتحرك بمقدار تون واحد لنصل إلى نغمة " دو " ثم تون آخر حتى نغمة " ري " وبعدها نصف تون لنصل إلى نغمة " مي بيمول " ثم نتحرك تون كامل لنصل لنغمة فا. وأخيرا نتحرك بمقدار درجة صوتية كاملة أو تون كامل لنصل إلى نفس النغمة التى بدأنا بها وهى نغمة صول ولكن فى الأوكتاف الأعلى.
وبالنسبة للأجناس المكونة لمقام البياتى فهى عبارة عن جنس أصل وثلاثة فروع. وجنس الأصل يتكون من أربعة نغمات، فإذا طبقنا هذا الجنس على المقام من نغمة " رى " فنجد أن نغمات جنس الأصل تكون " رى - مى نصف بيمول - فا - صول ". أما بالنسبة للفروع فالأول هو مقام عجم من نغمة " فا "، والثانى هو مقام نهاوند من نغمة " صول "، والأخير هو مقام كرد من درجة " لا ".
ومن أهم الأمثله الغنائية المعزوفة على مقام البياتى فى موسيقي الوطن العربى هى أغنية " ست الحبايب " للفنانة فايزة أحمد، وأغنية " أما براوه " للفنان وديع الصافى، وأغنية " جانا الهوا جانا " لعبد الحليم حافظ، وأيضا أغنية " حب أية " لكوكب الشرق أم كلثوم.
للشرح التفصيلى والتدريب العملى يرجى مشاهدة هذا الفيديو :
السلم الموسيقي الشرقي والعالمى
من الممكن عقد مقارنة علمية بين أصوات سلم الموسيقي الشرقية الذى يحتوى على ربع تون، وبين السلم الموسيقي العالمى. ثم نبحث عن الأساس الذى قام عليه كلاهما وفقا لنظرية السلسلة الهارمونية. ولقد رأينا أنه ليس من بين مكونات هذه السلسلة الهارمونية صوت الربع تون. وأن السلم الشرقي أو العربى أو الفارسي أو التركى - إلى عهد قريب - والإغريقى منذ ستة وعشرون قرنا، هو الذى يحوى مسافة أرباع الأتوان بين الدرجات الثالثة والرابعة والسابعة والثامنة.ومن المعروف أن أصوات السلم الموسيقي هى الحروف الهجائية للغة الموسيقية، وأنه من الحروف تتكون " الجملة الموسيقية ". ولهذه الأخيرة شروط لابد من توافرها: اولها أن تجئ محتويات الجملة الموسيقية من مقادير النغم التى يفهمها المستمع دون عناء. وثانيها أن يأتى تركيب هذه الجملة شطرين: أحدهما يمثل السؤال والآخر إجابة عليه. وأنه عندما تتكون جمل اللغات من أجزاء تفصلها علامات تنقيط، فكذلك لابد أن يكون بين شطرى مكونات الجملة الموسيقية.
وفى الموسيقي تستخدم القفلات لهذا الغرض. وللقفلات أنواع فمنها ماهو قفل أستثنائى، ومنها ما هو قفل ختامى يأتى فى نهاية الجملة بالضرورة ليعطى شعورا بختام الفكرة الناتجة عن تعبير الجملة الموسيقية. ومثالها فى ذلك مثال النقطة التى تأتى فى نهاية الجملة المكتوبة فى اللغات. وتركيب القفلات له فوق ذلك شروط لابد أن نلجأ فيها إلى قواعد الهارمونى، والهارمونى فى القفلات عبارة عن أعمدة رأسية من عدة أصوات يسمع تأثيرها كليا، ومثل هذا العامود الهارمونى يعرف " بالتآلف ".
أهم أصوات التآلف
وأهم صوت فى التآلف بحيث يبرز شخصيته وطابعه فيجعله تآلفا قويا وهو الصوت الثالث فى محتوى الهارمونى. وهذا الصوت الثالث يمكن أن نراه فى السلم الشرقي الذى يخلوا من الربع تون. فكما نعلم أن هناك سلالم شرقية ومقامات لا تحتوى على الربع تون فى تكوينها مثل مقام الكرد والعجم والنهاوند والحجاز. لذلك يمكن أن يتصور الهارمونى وأن يتم أستخدامه فقط فى هذه المقامات التى لا تحتوى على الربع تون. ولكن يصعب أستخدامه مع السلم الشرقي الذى يحتوى على ربع صوت.وبالطبع فكل مقام له تأثير معين فى المذاق واللون الموسيقي. فالموسيقي التى تحتوى على الربع تون هى موسيقي غنية ذات طابع خاص يستمتع به الكثيرون حتى خارج العالم العربى من محبين للفن الشرقي. وقد أثر أستخدام الربع تون تأثير كبيرا فى الألحان المصرية والعربية.
ونجد أن كبار المطربين وكبرى الحفلات الموسيقية لاتخلو أغانيها من أغانى الربع تون والذى تتعدد مقاماته الموسيقية من " بياتى " إلى " صبا " إلى " راست " وأيضا " السيكاه ". فهى مقامات ذات رونق موسيقي خاص لحن عليها عباقرة من الموسيقيين فى الوطن العربى وخصوصا فى أيام الزمن الجميل من المطربين العظام أمثال كوكب الشق " أم كلثوم ".
نغمات السلم الموسيقي العالمى
إذا تناولنا أصوات السلم العالمى الذى نهضت عليه الموسيقي المتحضرة، نجد أبعادا صوتيه لا تشذ عن طبيعة الحنجرة البشرية بأعتبارها أول آلة موسيقية خلقها الله. كما أننا نجد الأثر الناتج عن تعبيرات أنغامه صوتا صوتا، مما يتفق والتعبير السليم كا قلنا. ذلك لأن المسافة بين كل درجة صوتية وأخرى هى : إما صوت كامل وإما نصف صوت.وإذا ذهبنا إلى لوحة مفاتيح البيانو وعزفنا عليها سلما كبيرا، فإننا سنعزف أصواته تبعا للأبعاد الهندسية التى تدخل فى تركيبه. وسنجد أننا حين نجرى أصابعنا على مفاتيحه لنعزف أصوات السلم، أن الأذن تجد تناغما موسيقيا متناسقا بين مختلف النغمات. وكل نغمة تنتج عن عزف صوتين بينهم مساحة الصوت الكامل، إنما يكون سهلا فى تذوقه. أو بتشبيه آخر مثل المسافر الذى يقطع طريقا مستويا يخلو من التضاريس والعوائق.
وأما فيما يتعلق بالأصوات التى تحوى فيما بينها مسافة نصف الصوت، فإن الأثر النفسي سيأتى حاويا لقدر من التوتر. وكأنما يفاجئ المستمع بعائق أو أنتقال غريب مابين تلك النغمات التى ننتقل فيها بمساحة صوتية كاملة وتلك التى يكون الأنتقال فيها بنصف درجة صوتية. ومثل هذا الصوت يوجد بين الدرجة الثالثة والرابعة، تماما مثلما يوجد بين نغمة " مى " ونغمة " فا " فى السلم الموسيقي. ويتضح أكثر بين الدرجة السابعة والثامنة، وهو نصف الصوت الموجود بين نغمة " دو " ونغمة " سي ". ولذلك فإنهم يطلقون على الصوت السابع لأى سلم موسيقي أسم " الحساس " ليدل على ماله من طبيعة توترية.
وهذا التوتر النفسي الذى يحدث عند المستمع من عزف أنغام فيها مسافة نصف الصوت، لا يزول إلا إذا تجاوزنا صوت التوتر وإنتقلنا إلى الصوت الذى يعلوه صعودا، أى أننا نقضى على التوتر بعزف الصوت الرابع أو الصوت الثامن. وهذه الحالة فى علامات " التنقيط الموسيقي " أو " القفلات " إنما تعطى تنويعا تستفيد منه تعبيرات الموسيقي فيما بين فقرات المؤلفات الموسيقية. ولا بد أن تأتى القفلة مكونة من عامودين هارمونيين يوجد التوتر في مكونات أحدهما، ويزول هذا التوتر النغمى فى مكونات التآلف التالى له، ليحدث شعور بختام المقطوعات أو الجمل الموسيقية.
وهذه الحالة - حالة القضاء على صوت التوتر عند الموسيقيين - تعرف بحل أصوات التنافر " Resolution "، وبواسطة هذه العملية نجد أننا إذا رجعنا إلى المستمع، سنجده عاد إلى أستمتعاه بالنغمات بعد أن تجاوز حالة التوتر النغمى التى تحدثنا عنها.
الإدراك السمعى لنصف الصوت
إذا عدنا إلى الأدراك السمعى والأثر النفسى لنصف الصوت وجدنا أن فى إمكانية الأنسان أن يدركه ويتعرف على خاصيته التوترية، ويميل إلى أن يتجاوزه. وكأنما قد قام الصوت المتوتر من جانبه بفعل نشط قبله المستمع برد فعل حاسم يقظ. وهذه حالة تؤكد أن مستمع الموسيقي لن يكون سلبيا بل محللا لكل ما يسمعه ومتذوقا لكل النغمات التى تطرأ إلى سمعه.وإذا تناولنا طبيعة تلك الأصوات التوترية وأثرها النفسي فى تعبير موسيقي بواسطة القفلات والتراكيب الهارمونية التى يلجأ إليها المؤلف فى مسار اللحن، وجدنا أن التعبيرات الموسيقية تعطينا تعبيرا عن فكرة الصراع فى الوجود من أجل بلوغ الهدف وتحقيق الأمل وإثبات الجدارة الأنسانية أمام تحديات الحياة.
ومن الجديد نؤكد أن الموسيقي لغة أنسانية وتعبير كامل، وأن أى تعبير هو وسيلة لإخراج المضمون النفسي إلى سوق التداول والفهم. وأن المضمون النفسي لابد أن يكون شعورا بشئ ما. والشعور دلالة على الحياة. وبذلك لابد أن تعبر الموسيقي عن الحياة وعن النشاط الدائب الذى يستهدف غرضا معينا. وما الحياة إلا سلسلة من أفعال وردود أفعال. وعلى الموسيقي إذا أن تعبر عن ذلك، وعلى المؤلف كذلك أن يكون إنسانا مثقفا واعيا ليدرك هذا، بحيث تجئ مقطوعاته تعبيرا عن الحياة.
فإذا سارت الأمور على مايرام عبر عن هذه الحالة بأصوات لا سيادة فيها لتوتر، أما إذا أراد أن يعبر عن العسر والضيق، فإنه لابد أن يلجأ إلى أصوات التوتر، ثم يسرع فى القضاء عليها بما يعرفه من قواعد علم الهارمونى. وفنان كهذا إنما يقوم برسالته فى حل مشاكل الحياة بموسيقي الحياة نفسها، فيؤدى رسالة تفاؤلية لا تخرج عن تذكير الإنسان بأن بعد العسر يسر، وأن على الكائن الحى أن يواجه مستقبله ومصيره الممتلئ بمشكلات الوجود، فيثبت جدارته فى الغضب والحب والكرامة وفى الحياه بأكملها.
ومن هنا نفهم السبب الذى من أجله أستخدمت الموسيقي فى العلاج منذ بداية القرن العشرين وتأكيد علماء النفس على مالها من أثر فسيولوجى وسيكولوجى للكائنات الحية. فإن كان الأنسان الطبيعى يتغذى على الطعام حتى يكبر جسده وينمو، فإن الموسيقي تغذى روحه ونفسه. وبالطبع لكل شعب من شعوب العالم ثقافة معينة ولون موسيقي يميل إلية ويعجب به ويتأثر به. وهذا هو الحال فى بلادنا الشرقية حيث نجد ميولا كبيرا إلى الموسيقي العربية وإلى الأنغام التى تحوى ربع تون فى المقامات المختلفة.
هذا هو التنوع الفنى الذى يثرى الوسط الموسيقى ويجعله مجالا محبوبا من جميع الأجناس والثقافات، فهناك الموسيقي الشرقية وهناك الغربية وهناك أنصاف الأتوان والهارمونى، وهنا الشرقي والربع تون. فهى بالفعل مائدة مشكلة من ألوان شتى من الفنون والدروب الموسيقية التى تنقل المستمع إلى عالم آخر من الأستمتاع، فيه ينسى أتعاب الحياة وفيه يستريح من ضغوط الكون.