المايسترو وكيف يرافق المطرب بالعزف

المايسترو وكيف يرافق المطرب بالعزف

المايسترو مجرد لفظ أصدرته إيطاليا إلى عالم الموسيقي، ومن هذا الوقت أصبح يشير إلى قائد الفرقة الموسيقية بدلا من أن تقتصر دلالته " الأستاذ " أو " المدرس " بالمعنى الحرفى فى اللغة الإيطالية. وطالما كان الإيطاليين من سادة الثقافة الموسيقية وواضعى أسسها. وكفى الإيطاليين فخرا أن المصطلحات الموسيقية، سواء منها ما كان خاصا بالعزف أو تحديد السرعة إنما هى ألفاظ إيطالية حتى يومنا هذا.

وإذا تناولنا شخصية المايسترو بالتحليل، ثم ذهبنا نتعرف مهمته الدقيقة، وجدناه من أهم مقومات الفرقة الموسيقية. وأن دوره الخطير يتتطلب مميزات وكفاءات مختلفة لا تأتى إلا للموهوبين الدارسين للموسيقي بعمق. وهذه المميزات والكفاءات من الأهمية طبعا بحيث يكتب فيها علماء الموسيقي وخبراؤها بحوثا ومجلدات، منها ما ترجم باللغة الإنجيليزية للمايسترو العالمى " هرمان تشرخن " فى كتابه الرائع " مختصر القيادة الموسيقية ".  

وإذا كان واجب العازف هو إحياء روح مؤلف المقطوعة، وإن عليه أن يعطى الموسيقي ما كانت لها من نضرة حين ألفها صاحبها، فإن قائد الفرقة الموسيقية هو الآخر يعتبر عازفا على آله بشرية كبرى نسميها الأوركسترا. وعليه أن يترجم لغة المؤلف وأفكاره إلى أسلوب يفوق مقدرة العازف هو وآلته وحدهما. 

وعليه أن يقوم بواجبه فى المحافظة على تضامن جميع الآلات لتحديد نوع التأثير المطلوب، ثم إبراز هذا التأثير فى مختلف أجزاء المقطوعة مع إظهار ما فيها من توازن وتناسب نغمى على نحو واضح فى تراكيب العبارات والجمل الموسيقية. وإن عليه بعد ذلك أن يضع " النوتة " فى رأسة ويحفظها جيدا.

إندماج المايسترو مع العازفين

ثم إن المايسترو لما كان عليه أن يتعامل مع أشخاص بشرية تحتاج إلى من يحمسها ويحركها، فإن عليه أن يندمج مع المجموعة بروحه ويوحى إليها بإشاراته. ومن ثم يبذلون له الجهد بعزف رائع . فقيادة الموسيقي عمل إنشائى عجيب، فهى إحياء لموسيقي عظيمة من علامات ورموز مكتوبة على الورق إلى أنغام تخرج من مشاعر رجال موهوبين.

ومن العبث أن يقال أن قائد الأوركسترا لم يتمرس بموسيقي " هايدن " أو " موتسارت "، وأنه لا يعرف شيئا عن حياتهما، ولم يدرس أصول موسيقاهما، ولم يسلح نفسه بالخبرة الكافية المتوارثة جيلا عن جيل. من الجهل أن يجئ قائد أوركسترا بهذه الجهالة مهما كانت لدية الشخصية القوية، ومهما حمل من دبلومات موسيقية، فيقود عملا من هذه الأعمال الكبرى. إن الأوركسترا الذى يتطلب قيادة خطرة هو مجموعة هائلة من العازفين يتناسب عددهم تناسبا طرديا مع عبقرية المؤلف الذى يكتب لها.

وهنا تأتى مسئولية القائد الذى يؤهل نفسه زمنا طويلا بالثقافة، وقواعد النغم، وعلم التأليف، والتذوق الموسيقي، لكى يصير أستاذا راسخا فى العلم. وكلما كانت الفرقة الموسيقية كبيرة، كلما توسع المؤلف فى الكتابة والتوزيع، وكلما عظمت مسئولية المايسترو.

مصاحبة الفرقة الموسيقية للمطرب 

يعتبر الدور الأساسى للمايسترو أو الفرقة الموسيقية والعازفين هى مرافقة المطرب بالعزف الصحيح. ومن الضروري أن نضع في الاعتبار أن هناك جلسة تدريبية " بروفة " تكون قبل أي حفلة وأي عرض غنائي. والتدريب في هذه الجلسة يكون من خلال عدة خطوات يتبعها العازفين ويقودهم فيها المايسترو ليصاحبوا المطرب بالعزف الصحيح.

ومن أهم الخطوات المطلوبة لظبط العزف بمهارة ومرافقة المطرب بشكل سليم، هي إختيار التون المناسب أي اختيار الطبقة الصوتية المناسبة للمغني. فكما تعلمنا في دروس المقامات الشرقية بأن الأغنية يمكن ان يتم عزفها من أثني عشر درجة صوتية حسب النغمات الموجودة في الاوكتاف الموسيقي.

لذلك من المهم جدا هو تحديد الطبقة المناسبة والتون المناسب للاغنية، حسب ما يتناسب مع طبقة المطرب. فاللحن الواحد أو الأغنية الواحدة لها عدة درجات منها العالي ومنها المنخفض. لذلك ومن خلال التدريب يجب الأختيار بشكل صحيح والتدريب عليه جيدا من قبل العازفين والفرقة الموسيقية وذلك قبل العرض وقبل بدء الحفلة.

ويأتى بعد أختيار الطبقة الصوتية المناسبة الخطوة التالية وهى تحديد نوع الإيقاع الذى يتناسب مع جو اللحن والأغنية. فهناك الكثير والكثير من الايقاعات سواء الشرقية او الغربية، فهناك المقسوم والملفوف والوحدة والسماعي وغيرهم. لذلك لابد علي قائد الفرقة الموسيقية " المايسترو " أو العازف الماهر أن يختار النوع المناسب من الايقاعات. 

ومن الأفضل بالطبع أن نختار الايقاع حسب نوع الإيقاع الأصلي الموجود في الأغنية الأصلية حتي يكون العزف صحيح وسليم. وكذلك لابد من اختيار السرعة المناسبة للاغنية، فلا تكون سريعة أو بطيئه عن الأغنية الأصلية. وهذه النقطة هامة جدا للعزف بطريقة صحيحة مع مصاحبة الموسيقي.

المقدمات والفواصل الموسيقية

كذلك من المهم في العزف وكنوع من تجميل اللحن الموسيقى أن يتدرب العازفين جيدا علي عمل مقدمة موسيقية وكذلك فواصل موسيقية وأيضا خاتمة تكون مناسبة للأغنية المعزوفة. ويقوم العازفين بقيادة المايسترو بالتدريب مع المطرب والاتفاق علي مقدمة موسيقية وفواصل وخاتمة والتمرن الجيد علي وقت البدء في الغناء وذلك بعد جملة موسيقية معينه تنتهي بها المقدمة الموسيقية.

وكذلك الاتفاق علي فواصل موسيقية ما بين الجواب والقرار. حتي يكون هناك وقت ولو قليل يستريح فيه صوت المطرب وفي نفس الوقت يستمتع الناس بهذه الفواصل الموسيقية المعتدلة، فلا تكون فواصل طويلة أو قصيرة. وكذلك الاتفاق على خاتمة لانهاء الأغنية والخروج من اللحن بشكل جميل وممتع للمستمع.

وهناك بعض الفرق الموسيقية الكبرى تقوم بعمل ما يسمى " ميدلى " فى لغة الموسيقى. والمقصود بهذا المصطلح هو عزف عدة أغاني واحدة تلو الأخري بدون توقف الايقاع وبعزف مستمر. ومن الجيد ان يكون هناك اتفاق ما بين الفرقة الموسيقية والعازفين وبين المطرب علي امكانية عمل هذا وذلك من خلال التدريب علي عدة أغاني من نفس المقام الموسيقي ومن نفس الجو اللحنى، على أن يتم عزفها بطريقة متواصلة خلف بعض دون الحاجة للتوقف. وبالطبع مثل هذه المهارات لايمكن اتقانها بدون تدريب جيد ما بين المطرب والفرقة الموسيقية حتى يكون الأداء ذات قبول عند المستمعين.

 دور المايسترو فى قيادة الفرقة الموسيقية 

إن عدد العازفين فى الفرق الموسيقية ليس بقليل فهناك بعض الفرق الموسيقية التى تضم أكثر من مائة عازف بل وأزيد. وإذا تصورنا هذا العدد الكبير من العزفة وتصورنا الآلات الموسيقية المختلفة عددا وحجما، وأنها تنقسم إلى عائلات، فمنها عائلة الآلات الكبيرة والتى تمثل أعمق الأصوات وأغلظها، ومنها عائلة الآلات التى تكون أكثر منها حدة فى الصوت، وهناك الآت أخرى ذات أصوات حادة جدا وهكذا.

فإذا تصورنا كل هذا وأن على المؤلف أن يكتب النغمة الموسيقية الواحدة ويوزعها على الألآت بحيث تختلف العائلة عن الأخرى، وبحيث قد تختلف الآله داخل العائلة الواحدة عن باقى الألآت. إذا تصورنا كل هذا مكتوبا فى النوتة الموسيقية التى يضعها المايسترو أمامه على حامل الورق، وأن عليه أن ينقلها من حروف ميته إلى آذان السامع أنغاما تفيض بالحياة، وبحيث لا تفلت من عصاه نغمة واحدة أو يصدر صوتا غريبا من أى عازف عن ما هو مكتوب أمامه، أفلا يكون عمل المايسترو مسئولية كبرى. أنه لكذلك فعلا فى الفرق الموسيقية الكبرى وفى بلاد الحضارة الفنية.

أما عن المسار التاريخى لظهور وظيفة القيادة الموسيقية فقد مر بالعديد من المراحل التطورية. فمنذ بداية القرن الخامس عشر كانت الفرق الموسيقية فى أوروبا ذات حجم ضئيل وبسيط فى التكوين بحيث تتطلب وجود قائدا لها. ولهذا فغالبا ماكان يقوم رئيس المنشدين فى الكنيسة، أو عازف آلة " الهاربسيكورد " بمهمة قيادة بدائية. وكان على ذلك القائد أن يتخذ من الوسائل ما يحفظ به وحدة الإيقاع النغمى، فكان يدق الأرض برجله أحيانا وهو يعزف أو يغنى، أو كان يومئ برأسه للآخرين ليحسنوا بداية الجملة الموسيقية.

ظهور أسلوب " العصا " فى قيادة العازفين

ثم أستمر الحال على ذلك طيلة القرن السادس عشر، حتى إذا جاء القرن التالى أصبح من المألوف فى مسارح باريس ولندن أن يقف أمام فرقة الموسيقي على المسرح قائد فى يده عصا وفى يده الأخرى مدونة موسيقية، ويأخذ يدق بعصاه على خشب المقعد حتى ينظم الزمن الموسيقي. وفى عام ألف وستمائة وسبع وثمانين ميلاديا، راق لأحد القادة الموسيقيين وهو الفرنسى " لولى - Lulli " أن يستبدل بعصاه هراوة غليظة تملأ العين وفى نهايتها مثقال حديدى ليدق به على الأرض فيحفظ وحدة الإيقاع النغمى.

وذات مرة أخذ يدق الأرض بعصاه أمام الفرقة الموسيقية حتى أنفلت فضرب قدمه بدلا من الأرض وأصيب بجرح كبير، وتقيحت الأصابة، وتسمم جسده فمات، وكان على من يأتى بعده أن يتعظ بهذا الموت الأوركسترالى !. بعد ذلك رأى قادة الموسيقي أن يتخذوا هذه العصا التقليدية الرشيقة وذلك الزى المعروف. وشهدت إنجلترا لأول مرة المايسترو " سبوهر - Spohr " بهذه الكيفية المهذبه دون أى متاعب على المسرح. ونفس الشئ حدث فى فرنسا بعد إنجلترا ومنه إلى عالم الحضارة الموسيقية فيما بعد.

وفى الحقيقة فإن الفضل يعود إلى الإيطاليين فى ترقية وظيفة القيادة، إذ أنتشر منهم عدد كبير فى دوائر باريس ولندن وعلموا الناس ماهى الموسيقي، وماهى القيادة، وعنهم أخذت الدنيا كلها هذا الفن وهذا الأسلوب. ذلك لأن الإيطاليين هم من أوئل الشعوب الذين ألفوا وكتبوا وشرحوا الدراسات الموسيقية بل وأطلقوا العديد من المصطلحات الموسيقية التى ولازالت تستخدم فى الموسيقي العالمية وفى مختلف البلاد والثقافات.

لمزيد من الشرح بالتفصيل شاهد هذا الفيديو :




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -