شرح مقام الكرد والأجناس والفروع وتطور عنصر الإيقاع

شرح مقام الكرد والأجناس والفروع وتطور عنصر الإيقاع

أخذت المقامات الموسيقية فى التطور حقبة تلو حقبة حتى ظهر لها الشكل النهائى الموجود حاليا والمتعارف عليه لأغلب المقامات، ولعل من أبرزها هو " مقام الكرد ". ونتناول من خلال دراسة عميقة لهذا المقام الأصيل. مع شرح كامل لأجناس المقام، بالإضافة إلى أمثلة عملية وتدريبات. أيضا سندرس الطريقة التى تكتب بها نغمات هذا المقام على سطور النوتة الموسيقية.

ويعتبر مقام الكرد من المقامات الهامة جدا حيث يوجد الكثير من المعزوفات التى تم تلحينها على هذا المقام. كما يمتاز بأنه من المقامات التى لا تحتوى على ربع درجة صوتية أو ( سيكا )، فهو من المقامات التى يمكن عزفها على أى كيبورد سواء شرقي أو غربى. وتوجد أبعاد معينه للنغمات المكونة لأى مقام تعرف بإسم قانون ترتيب نغمات المقام. وبالطبع هذه الأبعاد ثابته لكل مقام على حدى بحيث يمكن عزفه من أى درجة صوتية.

وهنا نجد أن هذه الأبعاد لهذا المقام تكون من خلال أنتقالنا بمقدار نصف درجة صوتية من بداية أول نغمة فى المقام وبعدها يكون الانتقال بمقدار ثلاثة درجات صوتية كاملة، ثم ننتقل مرة أخرى بنصف درجة وأخيرا ننتقل درجتين. وبالطبع كى نفهم هذه الأبعاد والأنتقالات الخاصة بمقام الكرد، يمكن أن نأخذ مثالا تطبيقيا من أحدى النغمات الموسيقية ولتكن نغمة " رى ".

فإذا أردنا إستخراج مقام الكرد من درجة " ري " فسنقوم بتطبيق قانون الأبعاد السابق ذكره. ونبدأ من نغمة " ري " ومنها ننتقل نصف تون الى نغمة " مي بيمول " ثم تون كامل الى نغمة " فا " وبعدها تون آخر الى نغمة " صول " ثم إلى نغمة " لا " وبعدها نصف تون إلى " سي بيمول " وبعدها تون كامل إلى " دو " وأخيرا تون كامل أو درجة صوتية كاملة إلى " رى "

الأجناس والفروع

وبعد أن قمنا بدراسة أبعاد مقام الكرد، ننتقل إلى دراسة الأجناس الخاصة بهذا المقام. ويعتبر من المهم جدا دراسة هذه الأجناس لعدة أسباب منها أن دراسة الأجناس تساعد العازف على الإنتقال من مقام إلى أخر بمهارة و إحتراف خلال العزف. فمن الوارد جدا أن يرغب العازف فى أن ينتقل من أغنية إلى أخرى دون توقف، فإذا كان على علم بالأجناس الخاصة بالمقام فسيكون من السهل الأنتقال مابين المقامات. كذلك دراسة الأجناس تساعد الملحن فى تلحين الأغنية على أكثر من مقام لنفس اللحن، فهناك الكثير من الأغانى يتم وضع اللحن الخاص بها على عدة مقامات وليس مقام واحد.

وبالنسبة لأجناس مقام الكرد فهى جنس الأصل وهو النغمات الأساسية التى تكون المقام نفسه. وهو يتكون من أربعة نغمات تبدأ من أول نغمة فى المقام وحتى النغمة الرابعة. وإذا طبقنا هذا على مقام الكرد من درجة ( رى ) فإن جنس الأصل الخاص به سيكون كرد من درجة رى " رى - مي بيمول - فا - صول ". أيضا يمكن أن نستخرج من المقام نفسه عدة فروع تسمى الأجناس الفرعية، وهى كما ذكرنا فى بداية الموضوع بأنها ذات أهمية كبيرة.

وهذه الأجناس الفرعية من مقام الكرد أولها جنس الفرع أول وهو مقام " عجم من درجة فا  " وتكون أول أربعة نغمات فيه " فا ، صول ، لا ، سي بيمول ". ثم جنس الفرع ثان وهو مقام " نهاوند من درجة صول " وتكون أول أربعة نغمات فيه " صول ، لا ، سي بيمول ، دو ". وأخيرا جنس الفرع ثالث وهو مقام " كرد من درجة لا " وتكون أول أربعة نغمات فيه كالاتى " لا ، سي بيمول ، دو ، رى ".

ويوجد الكثير من الأمثلة والمقطوعات الغنائية الشهيرة التى تعزف على مقام الكرد، سواء فى الموسيقي الشرقية أو الموسيقي الغربية. وأذكر لكم على سبيل المثال بعض من أشهر أغانى مقام مثل أغنية " الربيع " للفنان فريد الأطرش و أغنية " نسم علينا الهوى لفيروز ". أيضا أغنية " حيرت قلبى معاك و أمل حياتى " لأم كلثوم. ومن الأغانى الحديثة على هذا المقام هى أغنية غريبة الناس لوائل جسار.


لمزيد من الشرح شاهد هذا الفيديو:



تطور عنصر الايقاع

يعتبر عنصر الإيقاع من الأعمدة الرئيسية فى اللحن الموسيقي. وهو عنصر تمتد جذوره القديمة فى الأغنيات الراقصة البدائية. وبظهوره أنتشر فى تأليف الموسيقي قدر كبير من الأشكال الراقصة التى أستعان فى تركيبها المؤلفون بعلم الهارمونى والفوجه، ثم تذوق الناس هذا الضرب من الموسيقي وأعجبوا به إعجابا شديدا.

وفى القرن الثامن عشر ظهرت مجموعات من هذه التآليف الراقصة، لا من أجل الرقص فى حد ذاته، إنما طلبا لمتعة الأستماع النغمى. وقد أشتهر من بين مؤلفى هذا اللون الموسيقار الفرنسي كوبيران " Coperin " وهو الذى سمى هذه المجموعات بأسم " الأنظمة ". وجاء كثيرون بعده يحتذون حذوه وأن أسموها فى ألمانيا بأسم المتتابعات.

ومع الخبرة وطول الزمن، توسع المؤلفون فى مساحة تلك المقطوعات الراقصة ذات الطابع الإيقاعى، حتى أستطالت أجزاؤها وصارت شيئا أخر أطلقوا عليه " البرتيتا " أو جزء المتتابعة. وهى شئ فيه هندسة " كوبيران " لكنما يخلو من أى إشارة إلى طابع الإيقاع الراقص.

ثم يمضى التطور بهذه المقطوعات شوطا آخر فتصبح مجرد مساحات أو حركات موسيقية ذات شخصية تركيبية خاصة، فيها تكرار وفيها فوجه، وفيها هارمونى ومقامات مختلفة، ولها أسم " السوناتا - Sonata "  أو المعزوفة إذا ترجمناها إلى العربية الفصحى. وبذلك لا تكون هذه السوناتا إلا معزوفة ذات جذور عديدة فى تاريخ الموسيقي، جائتنا من حركات موسيقية مصدرها المتتابعات ومشتقاتها.

ولقد كانت تصاغ تلك السوناتات أو " المعزوفات " من عدة حركات موسيقية فى مقام واحد مع أختلاف فى زمن كل حركة عن أخرى، ومع أختلاف بسيط أحيانا للمقامات، حين ينقلب المقام الكبير فى حركة صغيرا فى أخرى أو العكس. لكن شيئا مما يعرف الان " بالصيغة السوناتية " فى حركة من حركات السوناتا، لم يكن له وجود صريح نهائى. إذ كان على تاريخ الموسيقي أن يترقب طويلا حتى يستقر هذا التركيب على يد كثيرين آخرهم " هايدن ". وبعد ذلك تصدر هذه الصيغه إلى سوق التداول الموسيقي، فيتقبلها التاريخ بكل رحب وسعة.


السوناتا " المعزوفات " فى تاريخ الموسيقي

ونعود مرة أخرى إلى موسيقي المعزوفات الإيقاعية وكما أشرنا سابقا فإن المقصود بالسوناتا هى المقطوعات الموسيقية المعزوفة بشكل إيقاعى معين. وفى تاريخ الموسيقي هنالك نوعان من السوناتا، ذلك لأن الناس فى القرن الثامن عشر تحدثوا عما يعرف بسوناتا الكنيسة " وهى المعزوفات التى كانت تعزف فى الجو الكنسي " Sonata da chiesa "  والنوع الآخر هو سوناتا الصالون. الأولى تتسم حركاتها الموسيقية بالوقار وفى أنغامها شحنة كبيرة من التدين، وهيبة الرب، وما بعد الحياة الدنيا.

وأما سوناتا الصالون " وهى المعزوفات الغنائية التى كانت تعزف خارج إطار الكنيسة فى ذلك الوقت، فهى للدنيا والمرح. حركاتها مفعمة بالنغم الرشيق والإيقاع اللعوب. ولقد ألف من كلا النوعين الموسيقار " كورالى " وكانت سوناتا الكنيسة عنده تتسم بالوقار فى الأنغام وهذا لما ترتبط به موسيقي الكنيسة من جو العبادة والتراتيل الكنسية التى لا يصح فيها غير ذلك، وجائت تتحدث عن الرب والحياة الآخرة بمنطق نغمى صريح. أما سوناتا الصالون فقد ألف نغماتها بطريقة الفرح والحماس فى الحركة وسرعة النغمات، وهى تختلف عن النوع الاخر بشكل كبير.

والواقع أن هناك كثيرين ساهموا فى تدعيم التأليف السوناتى هذا، وتاريخ الموسيقي يذكر لنا من الألمان والإيطاليين أسماء كثيرة. فمن الإيطاليين نجد " كوريللى " و " سكارلاتى " و تارتينى " ومن الألمان نجد " فيبر " و " كوهناو " وهايدن " وموتسارت ". وعلى قمة هذة السلسلة الطويلة نجد أن " بيتهوفن " قد أتى فلم يترك بعده زيادة لمستزيد.

تأليف السوناتا

وحركات السوناتا كانت تختلف بإختلاف الزمن والمؤلفين. فهى فى نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر عند " كوريللى " أربع حركات من الزمن البطئ فالسريع ثم البطئ، فالسريع على التوالى. وأما من حيث رسوخ قواعدها فالأمر فيه وجهات نظر. حيث  قال كثير من الناس إن " باخ " هو الذى أرسى قواعدها ، وقال أخرون أنه " هايدن ".

ولكن التاريخ مبنى على حقائق ولننظر فى التاريخ. فقد جاء " تارتينى " قبل " باخ "، وألف سوناتا أسماها رعدة الشيطان. وجاء كوريللى هو الاخر وألف سوناتا " جيجا " وفى هاتين السوناتاتين ما يشير إلى أنهما قاما بدور كبير فى تدعيم هندسة السوناتا نفسها بل والصيغة السوناتية.

لقد أستقر الوضع فى تأليف السوناتا عند الموسيقيون على أن تتكون من أربعة حركات. وأستقر فى ذهن المؤلفين كذلك أن يأتوا بأحدى الحركات الأربع على الأقل فيلتزموا فى بنائها تركيبا هندسيا يعرف " بالصيغة السوناتية "، وأصبح هذا الأمر تقليدا يلتزمونه لا فى السوناتا وحسب، وإنما فى بقية المعزوفات الأوركسترالية الكبرى كالسيمفونية والكونشيرتو. وما السيمفونيات والكونشرتات إلا سوناتا تضخمت مساحتها والتزمت الفرق فى عزفها آلات مشروطة.

ولقد مر بنا أن " هايدن " هو الذى جاء بهندسة الشكل السوناتى كما يدعى البعض. ولكن الحقيقة أنه كانت هناك جذور لم تتفرع بعد قبل مجئ " هايدن " وكان هناك من أعمال السابقين ما سهل عليه أن يؤلف صيغة سوناتية على نحو نهائى. أما كونه هو من أسسها لا سابقة له ولا تمهيد فهذا أمر ضد قانون التطور. ويلزمنا الأمر أن نتناول الأمر تناولا تطوريا تاريخيا فنبدأ بفكرة التكرار فى تأليف الموسيقي.

ولقد مر بنا أن عملية التكرار هذه تجئ كما لو كانت إشارة من المؤلف إلى أن ماعدا الفقرة المتكررة يتعبر شيئا ثانويا تكميليا، وأن على المستمع أن يستنتج من ذلك نوعا من الوحدة. لكن الواقع أن بعض مؤلفات السوناتا الأولى كانت تتناول الموسيقي بتكرار عقيم، فالنغمة الواحدة كانت تفرض على الحركة الموسيقية فرضا ثم تتكرر بإلحاح رتيب يسرف فيه المؤلف أسراف كبير حتى يبلغ الأمر حد الملل على ضوء مقاييس بيتهوفن وخلفائة طبعا.

وإذا كان هناك شئ قارب حد التكرار المهذب فكان ذلك يأتى فى القفلة الخنامية للسوناتا. ومع ذلك فقد كان لكوريللى هذا فى مجال تأليف الموسيقي السوناتية قدرة جبارة، ولعله لم يكن يدرى أنه مهد بهذا الطريق لخبراء التأليف الموسيقي ومنهم " هايدن " نفسه.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -