مقام النهاوند والتيار القومى الموسيقي

مقام النهاوند والتيار القومى الموسيقي 

يعتبر مقام النهاوند من أقدم المقامات المعروفة فى الموسيقي، حيث أنه يماثل تماما السلم الصغير فى الموسيقي العالمية. ويستخدم مقام النهاوند فى الموسيقي الشعبية التى تحدثنا عنها وأيضا الموسيقي الكلاسيكية. وكانت هناك الكثير من المعزوفات التى تم تأليفها على هذا المقام من الأغانى التى تتصل بواقع الشعب وحياتهم اليومية.

ومن الأمور الرئعة فى هذا المقام أنه لا يحتوى على ربع صوت. كذلك من اهم مميزات مقام النهاوند أن له قانونين للأبعاد النغمية للعزف، طريقة ذهاب وطريقة عودة. ويقابل هذا المقام فى الموسيقي الغربية السلم الماينور أو السلم الصغير. ومن أشهر أغانيه المنتشره فى بلادنا الشرقية هى أغنية " أعطنى الناى وغنى " للفنانه فيروز وكثير من الألحان الأخرى المشهورة.

وإذا أردنا أن نعزف مقام النهاوند مثلا من نغمة " دو " وهو نفسه يقابل سلم دو الصغير. فنقوم بإتباع أبعاد نغمية معينة أو قانون محدد لعزف هذا المقام. حيث نبدأ أول نغمة فيه وهى نغمة " دو " وبعدها سننتقل بمقدار درجة صوتية إلى نغمة " رى " وبعدها نصف درجة إلى " مي بيمول " ثم درجة كاملة إلى نغمة " فا " وأيضا ننتقل بعد ذلك بمقدار درجة صوتية إلى نغمة " صول " ومنها نتحرك نصف درجة صوتية إلى نغمة " لا بيمول " ثم درجة صوتية إلى نغمة " سي بيمول " وأخيرا درجة كاملة إلى نغمة " دو ".




وفى العودة من نغمة " دو " نأخذ نفس النغمات السابقة ماعدا نغمة " سي بيمول " فناخذ بدلا منه نغمة " سي " الطبيعية، حيث أنه كما ذكرنا فى البداية فإن هذا المقام تختلف طريقة الذهاب فيه عن طريقة العودة. لذلك فهو مقام متميز يجمع فى تكوينه مابين مقام " الكرد " و " الحجاز "، وجميع الأغانى المؤلفة عليه هى أغانى ذات قيمة موسيقية كبيرة وراقيه لأنه من المقامات الغنية بالنغم والتنوع الفنى.

لمزيد من الشرح التفصيلى شاهد هذا الفيديو :



فنون الموسيقي الراقية

إن مهمة المؤلف الموسيقي تتطلب منه أن يواجه مطالب الواقعية الحديثة، وأن تحمل أنغامه إحساسا عميقا بالتفاؤل وتأكيدا قويا بالجمال وتعابيره فى البشر. والواقع أن الموسيقي كأنتاج إنسانى، إنما تتأثر بالظروف الإجتماعية والتاريخية والسياسية التى تظهر على مسرح المجتمعات. والحديث عن الفن الواقعى حديث قديم. لكن هذه الواقعية كانت فى تغير مستمر. وهى فى هذا العصر تستمد مادتها من حياة الطبقة العاملة: من الفلاحين والعمال والموظفين وأصحاب الحرف.

ولما كانت هذه الفئات فيما مضى محرومة من التعليم مثلا، ومن القراءة، كذلك فقد كانت محرومة من الأستمتاع بفن الموسيقي المتطور الرفيع. ولذلك فقد كانت هذه الفئات تنتج فنها الموسيقي، فى صورة الأغانى الشعبية، وضروب الألحان العاميه الخاصة بها.

وهذه الموسيقي الشعبية إنما تكون ثروة ضخمة، ولكنها ظلت كالمادة الخام والثروة المهملة التى لم تتناولها يد الفن الموسيقي الحديث بتحسيناته وعلومه والآته الفنية. فالواقع أن كل هذه التحسينات كانت مقتصرة على الطبقات القادرة، تستمتع بها بمفردها فى قاعات الموسيقي الفاخرة ذات الأجر المرتفع.

ثم إن فنون الموسيقي الرفيعة، من أوبرا وسيمفونى وغيرها قد أصبحت فى ظل النظام الرأسمالى صناعة كأى صناعة أخرى. وأصبحت الموسيقي والموسيقيون خاضعين لتأثير " شباك التذاكر ". أى فى متناول الفئة التى تستطيع أن تقف أمام شباك التذاكر. وأصبح عامة الناس يشترون السلع الموسيقية التى تعرض عليهم، سواء كانت تعبر عنهم أو لا تعبر.

ولكننا الآن أمام تطور عالمى كبير. غير أن الفروق بين الناس تتحطم وتحل محلها المساواه. والموسيقي أصبحت لذلك فى بعض الدول الأشتراكية مرفقا عاما كسائر المرافق الأخرى التى ترعاها الدول كالتعليم والصحة وغيرهم. ورعاية الدولة للموسيقي بأعتبارها مرفقا عاما، معناها أن تقدمها إلى جميع المواطنين مهما كانت قدرتهم ومستوياتهم. فهى لا تشجع الموسيقي وتقدمها للربح، ولكن تشجعها ليستمتع بها أكبر عدد ممكن من الأفراد.

وتحرر الموسيقي من تأثير شباك التذاكر، وتحررها بالتالى من سلطان فئة معينة لتكون فى متناول الناس كلهم. معناه أنها تجد نفسها محتاجة إلى أن تستمد مادتها من حياة الناس كلهم، من كفاحهم ومن أحلامهم ومشاعرهم، من الجميع وللجميع. وهذا حق من حقوق الأشخاص فى كل المجتمعات ولا يمكن حرمانهم منه.

رواد الموسيقي والألحان الشعبية

وعلى أساس ما سبق، مضى رواد الموسيقي الذين أدركوا معنى التطور يضعون آذانهم الحساسة على قلب الشعب، ويدرسون أغانيه وألحانه وأساطيره. ويعبرون عنها فى أوبراتهم وسيمفونياتهم، ولأول مرة بدأت خامات الفن الشعبى تعرف طريقها إلى الأساليب الفنية الحديثة لتخرج منها موسيقي تجمع بين سلامة الأستعمال اليومى للإنسان العادى، وبين خصوبة التجربة الإنسانية والإجتماعية وعمقها. موسيقي تحمل رغبة الصراع والتقدم والفرح العميق الصحيح بالحياة.

إذن فالتيار القومى فى تأليف الموسيقي يقوم على مافى ضمير الشعب من ألحان لا نعرف لها مؤلفا إنما نعرف لها ألف منشد. وبحيث أنه حينما تدخل هذه الألحان هندسة التأليف الحضارية فتجعل منها سوناتا أو أوبرا أو سيمفونية، إنما تصبح الموسيقي مرفقا عاما يتذوقه كل الشعب، فهى إذن موسيقي من الشعب إلى الشعب.

ونحن شعب يرفع رأسه بعد أن إنقضت عهود الأستعباد وبدأ يحيا عصر الشعبيات المتحرره. ولكننا نجد للموسيقي فى مصر أكثر من معنى، فإذا سألنا عنها واحد من الطبقة الأرستقراطية ستخرج لنا من فمه ألفاظ السيمفونية وحفلات الأوبرا والكونشرت فى صيغة أوروبيه تشير إلى حذلقة المتحدث.

أما إذا سألنا عنها " عاملا " من عامة الشعب من تلك الطائفة الكادحة أجابنا بلغة الموسيقي والألحان الشعبية التى يتذوقها ويتأثر بها فى حياته اليومية. أما الموسيقي الكلاسيكية فهى لا تصلح لتكون مرفقا عاما يتذوقه الجميع وينقده الجميع. ولكن موسيقي الينبوع الشعبى القيم ذات المعانى الهادفة وليست الشعبية المتدنية فهى المرفق العام الذى يصلح أساسا لكى نقيم عليه مدرسة قوميه فى موسيقانا.

مدرسة التيار القومى

ومدرسة التيار القومى فى الموسيقي قد نشأت أول ما نشأت فى روسيا، وجاءت هذه المدرسة هناك نتيجة طبيعية للتطور الأجتماعى والشعبى الذى أستهدف تقارب الطبقات فيما بينها. ففى روسيا القيصرية كان تسعون بالمائة من الأراضى الروسية حتى منتصف القرن التاسع عشر سبيلا لقطاع الطرق واللصوص والطغاة ممن يأكلون حقوق الشعب لصالح القيصر.

وكان مجموع عبيد الأرض الذين يشتغلون من أجل القيصر وأولاده، ثلاثة وعشرون مليونا من البشر أو مايساوى نصف سكان روسيا فى ذلك الحين. وكان على الشعب الروسي أن يقاسى من حياة الذل والجوع ليسود القيصر وعائلته وجماعة الأرستقراطيين من الموظفين والأعيان.

وجاع الشعب الروسي وتعرى، وأقبل الناس على بعضهم يتساءلون عن الخلاص ووسائله. فكان الجواب ظهور الحركة " النهلستية " فى الأدب والفن. وهذه الحركة هى أول مرحلة من مراحل صراع كبير أسفر فيما بعد عن أعظم النتائج، وأول من أستخدم لفظ " نهلست " هو الكاتب القصصى " ترجنيف " فى قصته الشهيرة " الآباء والأبناء " وأشار فيها إلى ضرورة تغيرر الأوضاع الطبقية والتخلى عن المعتقدات الخرافيه على أسس من العلم اليقظ وتحرير الشعب.

ولما ظهرت هذه القصة بدأت تنتشر وتسخر من معتقدات الحكام ومن الفروق الأجتماعية، وتشير من ظرف خفى إلى خلق مجتمع جديد على أساس من العلم والثقافة والحرية. وذاع هذا الرأى فى ميدان الأدب وساهم فيه كثيرون سواء بالقول المكشوف الصريح أو بالمعانى الرمزية. ولم يأتى عام ألف وثمان مائة وسبعون حتى تحولت الدعوة " النهليستية " إلى عمل إيجابى. وحدث صراع بين أصحاب الرأى وبين أتباع القيصر فكان السجن والتعذيب والتشريد، حتى إذا جاء عام ألف وتسعمائه وسبعة عشر كانت الثورة الأشتراكية قد قضت على القياصرة وأقامت حكومة شعبية.

نهضة الموسيقي فى روسيا

 أما فى ميدان الموسيقي فلقد ساهم الخمسة الكبار فى إنشاء تيار " نهليستى " حيث وبدأ ظهور هذا التيار بظهور " ميشيل جلينيكا " الذى درس الموسيقي صغيرا. ثم سافر إلى إيطاليا وألمانيا فدرس التأليف وعاد إلى روسيا فألف لها موسيقي قومية شعبية وتبنى مايعرف فى تاريخ الموسيقي الروسيه " بالخمسة الكبار " وهم " بالاكريف - سيزاركوى - رمسكى كورساكوف - مسورجسكى - بورودين ". وكان شعار هؤلاء جميعا أن الشعب هو الذى يخلق الموسيقي وإنما نحن نهذبها فقط.

وعلى أكتاف هؤلاء نهضت الموسيقي فى روسيا نهضة جبارة. وكانوا من هواة الموسيقى لكنهم كانوا عباقرة حين أخرجو للعالم المتحضر لونا جديدا من ألوان الموسيقي يستند إلى قواعد التأليف ويتخذ مادته من صوت الشعب. فأكدوا طابعهم القومى فى تأليف الموسيقي ونقلوه من طور يشبه الموشح والطقطوقة والبشرف إلى طور الأوبرا والسيمفونيه والباليه. والواقع أن الخمسة الكبار يلقون علينا درسا يحسن أن نستوعبه تماما فى هذه الفترة من تطورنا، فلم تكن الأصول الغربية لترفع عن موسيقاهم طابعها القومى، بل على العكس أكدت هذا الطابع.

ومن العجيب أيضا أن هؤلاء الخمسة الكبار كانوا يتعاونو فيما بينهم على أستكمال نواحى النقص عند أى منهم، وغالبا ماكان " كورساكوف " يتولى مهمة التوزيع الآلى لبقية زملائه، وتاريخ الموسيقي يشهد له أنه صاحب مدرسة فى هذا الفرع التكنيكى من فروع الموسيقي. والواقع أن كل أصحاب التيار القومى فى الموسيقي الروسية يقفون على النقيض من دعاة نظرية الفن للفن، وذلك لأنهم يضعون نصب أعينهم أن يساهموا بفنهم فى تصوير أحساس الشعب بقدر أبتعادهم عن الزخارف والتخلص من المبالغات.

وكان شعار هذه المدرسة دائما هو ألا يبحث الفنان عن الجمال بقدر ما يستهدف التعبير عن الحقيقة، وأن يلجأ فى فنه إلى مخاطبة الشعب ليوثق صلاته الحميمة بالجماهير المتحرره وليظهر هدف الحياة واضحا متألقا. وهذا الشعار نفسه هو ما أتخذه " بيروف " فى الرسم، و " دستوفسكى " فى القصة، فأرغموا الجميع على تقديرهم وأحترامهم.

وفى الحديث عن التيار القومى فى الموسيقي نؤكد أن الفنان لن يكون مقيدا فى عمله الفنى بحيث لايكون هناك مجال لإظهار مشاعره الخاصة، ولكننا نحب أن تكون حريته حرية قومية، ومشاعره من مشاعر شعبه. فإذا ما خدعنا كما يقول مؤلف كتاب " التعبير الموسيقي " وذهب فى الحرية التأليفية إلى إنتاج فن يهدم مقومات الجماعة ويشيع فيها روح التخاذل والأنحلال، ويتجاهل مشاكله الحقيقية فيقصرها مثلا على " الحرمان النفسي " فى الوقت الذى تكون ضرورات الحياة هى شغل قومه الشاغل، فإن للناس أن يقفوا وقفة حازمة تجاه هذا الإنسان.

كذلك الحال عندنا فى مصر فها هو الشعب المصر كبقية الشعوب له ثروة كبرى من الألحان التقليدية التى عاشت فى ضميره خلال العصور. وهى آثار لم يؤلفها واحد بعينه، ولم يلحنها ملحن فى حد ذاته، وإنما انبعثت من الناس إنبعاثا خلال تاريخ طويل من الكفاح فى هذه الحياة وأثقالها. فكانت الأغانى الشعبية والموروثات الفنية خير تراث على هذا التاريخ.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -