المازورة الموسيقية والزمن اللحنى
تعتمد الموسيقي على عنصريين أساسيين عند تدوين النوتة الموسيقية وهما الزمن الموسيقي والذى نقيسه ونحددة من خلال مايعرف بالمازورة الموسيقية، وأيضا المفاتيح الموسيقية التى تستخدم فى النوتات المختلفة حسب نوع المقطوعة المعزوفة. لذلك سنتعرف على هذا من خلال دراسة أكاديمية متخصصة ، تؤهل العازف والدارس إلى التعرف على أسرار قراءة وكتابة النوتة الموسيقية وإحترافها.فمن المعروف فى قوانين الكون المحيطة بنا، بأن لكل شئ وحدة قياس نستخدمها فى تحديد وقياس المعايير الخاصة بهذا الشئ. فعلى سبيل المثال إذا كنا نقيس طريق لسير السيارات فإننا نقيسة بالكيلومتر. أما إذا رغبنا فى قياس أو تحديد وزن الوحدات السائلة، فإننا نستخدم اللتر كوحدة قياس.
كذلك الموسيقي هى علم مثل باقى العلوم ولابد من وجود وحدة قياس لها وللزمن الخاص بها. وهذه الوحدة تعرف " بالمازورة الموسيقية ". فإذا رغبنا فى دراسة الزمن الموسيقي جيدا وأيضا الأحتراف فى كتابة وقراءة النوتة الموسيقية، لابد وأن نتعرف عليها بكل أنواعها.
والمازورة الموسيقية هى الوحدة التى نستخدمها لقياس الزمن الموسيقي وهى عبارة عن مجموعة من الطقرات الإيقاعية " الأزمنة " الموجودة بكل أنواع الإيقاعات سواء إيقاعات شرقية أو غربية. ولكى نفهم المازورة الموسيقية بشكل عملى، من الأفضل أن نقوم بالتدريب على الأورج ونقوم بتشغيل الإيقاع ونستمع إليه جيدا. فكل أربعة طقرات إيقاعية تكون لنا مازورة موسيقية.
أنواع الموازير
كذلك يوجد لدينا عدة أنواع من الموازير الموسيقية التى تستخدم فى كتابة النوتة الموسيقية وأيضا تحديد الزمن الموسيقي. ونتعرف معا على أهم ثلاثة أنواع من الموازير الموسيقية الموجودة فى النوتة. فهناك مازورة موسيقية كاملة وهى تتكون من أربعة أزمنة إيقاعية بداخلها، ويرمز لها بالرمز ( 4/4 ) فى بداية المدرج الموسيقي. وحينما يرى قارئ النوتة الموسيقية هذا الرمز فى بداية المدرج الموسيقي يعرف بأن المقطوعة الموسيقية ستعزف على زمن موسيقي كامل يتكون الإيقاع فيه من أربعة أزمنة، وتستخدم هذه المازورة الكامله لكتابة أغلب الألحان الموسيقية المعروفة.وتوجد مازورة موسيقية ناقصة وهى تتكون من ثلاثة أزمنة إيقاعية، ويرمز لها بالرمز ( 4/3 ) فى بداية المدرج الموسيقي. وتحتوى بداخلها على ثلاثة أزمنة موسيقية فقط وليس أربعة أزمنة، لذلك فهى من الموازير الناقصة. ومن أشهر المقطوعات الغنائية التى تعزف علي هذا الزمن الناقص هى أغنية " أنا قلبى دليلى " لليلى مراد.
أيضا توجد مازورة موسيقية ناقصة تتكون من زمنين إيقاعيين فقط، ويرمز لها بالرمز ( 4/2 ) فى بداية المدرج الموسيقي. وتحتوى هذه المازورة على زمنين فقط وتعتبر من الموازير الناقصة. وتستخدم فى عزف الإيقاعات والألحان العسكرية المعروفة بإسم " المارش العسكرى ".
مفاتيح الزمن الموسيقي
والمفاتيح الموسيقية تستخدم لتحديد ترتيب النغمات على المدرج الموسيقي. ويوجد ثلاثة مفاتيح رئيسية تستخدم فى كتابة النوتة الموسيقية وهم " مفتاح صول " وهو المفتاح الذى يستخدم فى كتابة النوتة الموسيقية لأغلب الألحان والألات الموسيقية. ونجده فى بداية المدرج الموسيقي أقصى اليمين. وتبدأ كتابته من الخط الثانى فى المدرج الموسيقي. وهو مسئول عن تحديد ترتيب النغمات على الخطوط والمسافات الموجودة فى المدرج الموسيقي من الأسفل إلى الأعلى بحيث يحدد الخط الثانى نغمة " الصول " وبناء عليه نقوم بترتيب باقى النغمات على المدرج الموسيقي. فتكون أسماء الخطوط الخمسة الأساسية " مي - صول - سي - ري - فا "، وبالنسبة للمسافات تكون " فا - لا - دو - مى ".أما بالنسبة للمفتاح الثانى فهو مفتاح " فا " وهو المفتاح الذى يستخدم فى كتابة النوتة الموسيقية لكوردات البيانو وكذلك لأغلب المقطوعات التى تعزف باليد اليسرى. ونجده فى بداية المدرج الموسيقي أقصى اليمين، وتبدأ كتابته من الخط الرابع فى المدرج الموسيقي. وهو مسئول عن تحديد مكان النغمات الموجودة فى المدرج الموسيقي بحيث يكون ترتيب الخمسة خطوط عند أستخدام مفتاح فا " صول - سي - ري - فا - لا ". ويرتب أيضا المسافات فتكون " لا - دو - مى - صول ".
والمفتاح الثالث هو مفتاح " دو " ويستخدم فى كتابة النوتة الموسيقية للألات الموسيقية ذات الأصوات الغليظة مثل ( الكونترباص وبعض الالات النحاسية ). ونجده فى بداية المدرج الموسيقي أقصى اليمين، وتبدأ كتابته من الخط الثالث فى المدرج الموسيقي. وهو يجعل ترتيب الخطوط " فا - لا - دو - مي - صول " والمسافات " صول - سي - ري - فا ".
لمزيد من الشرح العملى والتطبيق شاهد هذا الفيديو :
تحديث الموسيقي العربية
لقد مرت الموسيقى العربية بالعديد من المراحل التطورية وخصوصا فى القرن الماضى، حيث ساهم العديد من الموهوبين الموسيقيين فى تطورها وإحداث نقلة هامة فى تاريخ الموسيقي الشرقية. ويعتبر الموسيقار " محمد عبد الوهاب " أن يحمل لواء التجديد فعلا فى ترقية الموسيقي العربية الركيكة. والدور الذى أستطاع عبد الوهاب أن يقوم به هو أن يجعل من المغنى أداة موسيقية. فبعد أن كان المطرب يجلس أمام الفرقة الموسيقية ويتصدرها، أخذ عبد الوهاب يزحزحه إلى الوراء، وترقى بموسيقانا بعد أن كانت ضربا من الكلام واللت والعجن !.وفى هذا الجو الموسيقي يتزعم عبدالوهاب مدرسة تأثر بها غالبية الموسيقيين والمطربين، فقد نشأو يرددون أغانية ويتأثرون بموسيقاه. ومن بين تلامذته: رياض السنباطى الذى بدأ عازفا فى فرقته، ومحمود الشريف الذى بدأ حياته مغنيا يردد أغانيه، وكذلك فريد الأطرش ومحمد فوزى وعبد الغنى السيد وعبد العزيز محمود.
أما تلاميذه الذين تتلمذوا عليه بطريق مباشر ويعترف بهم عبد الوهاب كتلاميذ له، فهم محمد عبد المطلب ومحمد أمين ورؤوف ذهنى ومديحة عبد العليم وعبد الحليم حافظ وهكذا. فالواقع أن مدرسة محمد عبد الوهاب لم تتزود بالعلم الموسيقي وثقافة الأنغام، بخلاف عبد الحليم حافظ وكمال الطويل والبقية الواعية من خريجى المعهد العالى للموسيقي المسرحية. ونشأ محمد عبد الوهاب طفلا موهوبا عنده موهبة فطرية تتأثر بالنغم، وكان والده الشيخ عبد الوهاب يؤذن فى أحد المساجد. وقد تأثر محمد عبد الوهاب الصغير بوالده المؤذن وبما كان ينشده من أنغام.
ثم يعمل " عبد الوهاب " فى محل ترزى ويلتقى بشقيق " المعلم " الذى كان يعمل ترزيا فى الصباح وينشد فى الليل فى فرقة فوزى الجزايرلى. ووجد عبد الوهاب فرصة ليرافق زميله فى التردد على المسرح، بل ويتوسط له زميله حتى يظهر صاحب الفرقة منشدا يلقى بعض قصائد الشيخ " سلامة حجازى " بين فصول الروايات، وهذه كانت بداية شهرة عبد الوهاب. ثم يشترى عودا، ثم يتلقى شيئا مما يعرفه ابراهيم القبانى وأحمد المغربي عن " صناعة الإنشاد " ثم يأخذه عبد الرحمن رشدى فى فرقته.
وبعدها ألتحق عبد الوهاب بنادى الموسيقي الشرقي - معهد فؤاد الأول للموسيقي الشرقية - وتكون أمام عبد الوهاب فرصة ليتعلم نظرية المقامات الشرقية والموسيقي الشرقية وكتابة اللغة الموسيقية وقرائتها وعزفها بالعود حتى يحصل على شهادة الدبلوم. ولكنه لم يكمل تعليمه فى هذا المعهد. وأكتفى عبد الوهاب بقدر معين من تعلم النوتة الموسيقية، وبعدها ألتقى بأمير الشعراء " أحمد شوقى " وتبنى وصيته وثروته وأسمه. وفتح أمامه أبواب القصور وجند له أقلام الكتاب والأدباء من أتباعه. ومن ثم عرف عبد الوهاب على أنه مطرب الملوك والأمراء.
تأثير " عبد الوهاب " فى الموسيقي المصرية
وفى الواقع أن الموسيقي المصرية أستفادت كثيرا من عبد الوهاب. فهو قد رأى أن مسألة " التخت الشرقي " الذى يقوم على العود والقانون والرق والكمان شيئا لم يتفق مع مواكبة التطور الموسيقي بالقرن العشرين. عدا أنه يعلم تماما مدى قصور هذه الألآت عن تصوير التعبيرات الموسيقية المهذبة. فلما رأى هذا أستخدم الأوركسترا فى أغانيه، ووصلت إلى مسامعنا تراكيب هارمونيه وأساليب أركسترالية من تلك الألات التى أستخدمها كالبيانو والكورنو والأبوا والكلارينيت.وأعجب الناس بهذا اللون الموسيقي الجديد وصفق الناس لعبد الوهاب لأنه أستخدم الأركسترا الحديثة، ولأنه زحزح المغنى وجعله أداة موسيقية، ولأنه كتب وألف العديد من الألحان المشهورة إلى يومنا هذا. كذلك يعود الفضل لمحمد عبد الوهاب فى أنه أول من ألف ولحن " أوبريت شرقي " حيث قدم واحد من روائعه وهو أوبريت " وطنى حبيبى الوطن الأكبر ".
إذن فقد أفاد " محمد عبد الوهاب " الموسيقي المصرية " وهذه الفائدة أتت من أستخدامه للأوركسترا وأستغناءة عن " الربع تون " الذى وصل إلى الثقافة الموسيقية الشرقية عن طريق الإغريق. وبعدها أقبل الملحنون على أسلوب التوزيع الأوركسترالى فأنتعش السوق عند فريق مثقف من جريجى موسيقات الجيش والمعاهد العليا، أو من الأجانب. وفى هذا يكون الفضل للموسيقار " محمد عبد الوهاب ".
وقد حصدت الموسيقي المصرية والشرقية نتيجة هذا التطور الذى أوجده لنا الموسيقار العظيم " عبد الوهاب ". فنرى أن الكثير من المطربين فى هذا الجيل بدأو أستخدام هذه الطرق الحديثة فى الموسيقي و الأنغام وقد ظهرت بشكل واضح فى أغانيهم. فبعد أن كانت الأغانى المصرية تعتمد على التواشيح والمقطوعات القصيرة من " يا عين وياليل " نرى طفرة موسيقية حديثة قد ظهرت فى العديد من الأغانى التى واكبت هذا العصر. فإذا تأملنا على سبيل المثال لا الحصر أغنية مثل أغنية " جبار " للفنان عبد الحليم حافظ، نرى أبداعا حقيقيا فى تركيبة التوزيع الموسيقي لهذا العمل البارع الذى يستمر تأثيره إلى يومنا هذا.
وليس التوزيع الموسيقي للألات فقط، بل نرى أيضا أن الملحن قام بتلحين هذه الأغنية على العديد من المقامات الشرقية المتداخلة معا، مثل مقام الكرد والحجاز وصبا زمزم. مما أدى إلى أنتاج مقطوعة موسيقية غنائية أنبهر بها كل من سمعوها ودام أثرها حتى إلى مابعد القرن العشرين فى جميع الأقطار والبلاد العربية وليست المصرية فقط. ومازالنا نحصد حتى الآن نتاج هذا التطور الموسيقي الذي يسجل أسم محمد عبد الوهاب كواحد من أهم مطورى الموسيقي المصرية بل والشرقية بشكل عام.